أما حسب المفهوم الحداثي، فالطفل الصغير الذي يلغو بكلمات وتمتمات هائمة لا رابط بينها، والشاعر الذي يخبط في العروض والقوافي، ويلفق التراكيب الهشة، ويضع كلمة سطراً وجملة سطراً آخر وثلاث جمل سطراً ثم يرجع من جديد حتى يسود مساحة كبيرة من الورق بغثيان لا معنى له، والنائم الذي يحلم ويهمهم بألفاظ لا نسق يجمعها، والحشاش... و... كل أولئك حداثيون تنطبق عليهم معايير القوم (100%) وبعبارة أوضح مادام لدى الإنسان مسكة من عقل؛ فلا يمكن أن تصل معرفته إلى التلاشي المطلق، فهذا شأن من يتعاطى أخطر ما أبدعته العبقرية الغربية من عقاقير الهلوسة!!
ولو أن المقام يتسع لعرضنا نماذج ممن تاب الله عليهم وثابوا إلى رشدهم؛ ليعرضوا كيف كانوا يفكرون ويكتبون وينظمون في الماضي الحداثي الحالك كما حدثوني بذلك شخصياً أو كتبوه لي.
على أنني لو عذرت أحداً من أقطاب الحداثة لعذرت أولئك الدعاة الصليبيين التوراتيين، الذين أرادوا أن تكون الثقافة العربية كلها سائرة على النمط التوراتي مضموناً وأسلوباً. إنهم أذكياء استخدموا عقولهم لبعث أساطير دينهم وإحياء أساليب كتبهم المقدسة، وليسوا كبني جلدتنا الداخلين وراءهم في جحر الضب بلهاء ساروا في طريق يهدم حقائق الدين الرباني والكتاب الإلهي المحفوظ مع دعوى إيمانهم به.
وإن تعجب فاعجب لأمة تهزها أزمات سياسية واجتماعية كبرى، كالأزمة التي داهمت الأمة في حرب الخليج الثانية، ويخرج أدباؤها ومبدعوها ليسودوا الصفحات بأن سبب الأزمة هو (إشكالية النص)!!
أما سائر البشر الذين جعلوا لها أسباباً أخرى فهم نمطيون سطحيون!!
أما والحال كذلك وللمبررات الموضوعية التي تجعل القضية حية متدفقة وإن تلونت أو كمنت، ولضرورة إقامة الحجة وإبانة سبيل المجرمين فلابد من تجدد الإسهام من أهل الخبرة وفرسان الميدان في هذا المجال، وإنما سطرت هذه المقدمة تذكيراً وإعذاراً، والله ولي التوفيق.